الفن والسياسة.. من يُلغي الآخر؟!

2025/02/28

منتصر صباح آل شمخي الحسناوي

الفَن والسياسة .. من يُلغي الآخر ؟

الفن في جوهرهِ انعكاس للمجتمع، بقدرِ ما يحمله من رسالة هادفة للتأثير فهو يتأثر أيضاً بالإرادات السياسية والاتجاهات المؤسساتية.

عبر التاريخ كان الفن جزءًا من المشهد العام المحيط به، فيكون إما معبراً عن واقعٍ معين أو مُستغلاً لخدمةِ توجهات سلطوية بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. إشكالية العلاقة بين الفنان والسياسة تصبح أكثر تعقيداً عندما تتحول التقلبات السياسية إلى سيفٍ مسلط على رقاب المبدعين، فيجد الفنانون أنفسهم محاصرين بين متطلبات العصر وبين حسابات السلطة والمجتمع المؤيد له ذا الاصوات المرتفعة، وفي الوقت الذي يملك الفن القدرة على مقاومة التوجهات السياسية التي يراها غير مناسبة لرسالته واهدافه، تمتلك السياسة بدورها أدوات للهيمنة على الفن، فمن يؤثر على الآخر؟

لطالما اعتُبر الفنان حاملاً لرسالة ثقافية وإنسانية، لكنه في الوقت ذاته ينظر إلى فنهِ ” كَمصدر للعيش” فهو ليس بمعزلٍ عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وغالباً ما يَضطر لمسايرة التيارات السائدة ليضمن استمرار مسيرته.

في كثير من البلدان ولاسيما تلك التي تهيمن فيها السلطة على المجال الثقافي، يجد الفنان نفسه أمام خيارين: إما أن ينسجم مع الأيديولوجية الرسمية، أو يواجه التهميش وربما القمع.

هذا الأمر تكرر في العديد من الدول ولا سيما العربية التي شهدت تغيرات سياسية جذرية، إذ تعرض الفنانون فيها للإقصاء بسبب ارتباطهم بالأنظمة السابقة، حتى لو لم يكن لهم دور سياسي مباشر، في لحظة ما يكون الفنان نجماً تحت الأضواء، يصفق له الجمهور وتكرّمه الدولة لكنه قد يجد نفسه فجأة في موقف معاكس، يُتهم بالانحياز أو التواطؤ، فقط لأن أعماله السابقة أصبحت غير مرغوبة في السياق الجديد.

عندها يحول “الإلغاء الثقافي” التصفيق إلى صمت بل قد يكون الأسوء .

عبر التاريخ كان الفن سلاحاً ذا حدين، فبينما استخدمه البعض لمقاومة القمع وكشف الحقائق، استُخدم أيضاً كأداة دعائية لخدمة السلطة، لكن الخطر الأكبر على الفنانين لم يكن دائماً في زمن التألق بل بعد تغيّر الأنظمة أو تبدّل السياسات اذ يصبحون هدفاً للإلغاء الثقافي “التهميش، المنع، التشويه، وحتى النفي أو الاعتقال” كانت مصائر واجهها كثير من الفنانين لأن أعمالهم ارتبطت بزمن مضى أو لأنها لم تعد تتماشى مع الخطاب الجديد.

الإلغاء الثقافي ليس ظاهرة مقتصرة على العالم العربي، لكنه أكثر حدة فيه نظراً لعدم استقرار الأنظمة السياسية والتي يتغير معها الأيدلوجيات العامة بشكلٍ يتجاوز المؤسسة، إذ يُعاد تعريف الولاء مع كل تغيير. وهنا يصبح الفنانون ضحايا لصراع لم يكونوا بالضرورة جزءًا منه، لكنه فرض عليهم لأن أعمالهم خضعت لسياق سياسي لم يكن لهم يد في تشكيله.

فهل يجب محاسبتهم على خياراتهم في الماضي؟ أم أن المسؤولية تقع على السلطة التي كانت تفرض عليهم توجهات معينة؟

وهل يمكن للفن أن يكون محايداً في بيئة تُسيّس كل شيء؟

الفن في المجتمعات الديمقراطية يمتلك فيه الفنان حرية أوسع للتعبير دون أن يكون مضطراً لمجاراة السلطة، لكن في الأنظمة المقيدة، يصبح الفن مسيّساً بطبيعته، ومع ذلك، فإن الفن ليس دائماً انعكاساً للسلطة فقط، بل قد يكون وسيلة للنقد البناء والمقاومة أيضاً، على مر العقود، لعبت الفنون والثقافة دوراً محورياً في توعية الشعوب بأخطاء الأنظمة السياسية، سواء من خلال المسرح، السينما، الأدب، الموسيقى، أو حتى الفنون البصرية،لم يكن الهدف فقط تسجيل المظالم أو نقد السلطة، بل أيضاً دفع المجتمعات للتفكير والتغيير.

في العالم العربي، ظهرت العديد من المبادرات والتجارب التوعوية التي واجهت الأخطاء السياسية أو حذّرت منها بطرق مبتكرة، رغم محاولات القمع أو التقييد، إذ استخدم العديد من الفنانين أعمالهم للتعبير عن رفضهم للواقع السياسي، رغم علمهم بأن ذلك قد يكلفهم الكثير.

لكن في المقابل، هناك فنانون تعاملوا مع الفن كمهنة بحتة، ولم يكن لديهم خيار سوى العمل وفق القواعد المفروضة في زمنهم فهل يمكن لومهم على ذلك؟

حين يسقط الستار وتهدأ العواصف ويعاد النظر في الماضي، غالباً ما يُنظر إلى بعض الفنانين بنظرة الاعتدال وفهم الادوار التي مرو بها والظروف التي احاطت بهم بعد ان يكونوا دفعوا ثمن التقلبات السياسة بسيل الالغاء؟

الفن مرآة للمجتمع وقد يكون ضحيته ايضاً، بعد ان يسقط الستار قد لا يكون التصفيق هو ما يتبقى، بل أسئلة لا إجابات واضحة لها: هل كان الفن أداة للإلغاء، أم ضحية له؟ وهل يمكن للسياسة أن تلغي الفن، أم أن الفن، مهما تعرّض للقمع، يظل قادراً على البقاء، ولو بعد حين؟

التجربة الفنية العراقية مرت بجميع هذه المراحل وأثبتت بشكلٍ قاطع أن الفن قادر على البقاء والاستمرار بل والابداع والتأثير بكل الظروف، الفن بتنوعه يعيش اليوم حرية من التعبير غير مسبوقة مقارنةً بعقودٍ سابقة كانت فيها الثقافة والفنون مقيدة بتوجهات السلطة، مما سمح بظهور أعمال جريئة في السينما والمسرح، والتشكيل، لكن مع هذه الحرية، برزت تحديات جديدة، مثل التخوف من استقطاب الفنون لأجندات مختلفة وتحجيم الدعم المؤسسي للفن المستقل، إضافةً إلى تأثير بعض التحولات الاجتماعية على حرية الإبداع.

الواقع ان المشهد الثقافي العراقي في حالة حراك مستمر يسعى الفنانون فيه إلى استثمار هذه الحرية في تقديم أعمال تعبّر عن واقع المجتمع وتطلعاته، بعيداً عن التقييد السياسي الذي كان يفرض عليهم في الماضي، ولعل هذه التجارب شجعت شركات ناشئة وشبابية على الانتاج والابداع وأيضاً تبني مشاريع فنية عراقية غير مشروطة من قبل الحكومة العراقية كمبادرات دولة رئيس مجلس الوزراء، ووزارة الثقافة والسياحة والاثار لقطاعات السينما والمسرح والفنون الاخرى كخطوات تعزز التنمية في الانتاج الفني وتشجيعه، بعيداً عن الإلغاء.

العالم الجديد

https://al-aalem.com/الفن-والسياسة-م%D9%90ن-يُلغي-الآخر؟/?fbclid=IwY2xjawI3ow5leHRuA2FlbQIxMQABHYowERJNhowzTe8NFFGVAS1NgbkyZWtVPfmkYJtnShUk6rn7sHnVO9q0qQ_aem_-w_ijaoAerO-zaopntHPmA