متى ندرك المعركة الحقيقية؟
2025/03/09
منتصر صباح آل شمخي الحسناوي
لطالما كانت المعارك تُخاض بالسيوف ثم أصبحت تُخاض بالكلمات واليوم تُخاض بالعقول.
لكنّ المأساة الكبرى ليست في الحرب التي يشنها العدو، بل في تلك التي نشنها على أنفسنا دون أن ندرك أننا نخوض معركة خاطئة، في ساحة خاطئة، ضد عدو ليس هو العدو الحقيقي.
نعيش اليوم في عالم متسارع تتغير فيه الموازين بسرعة، حيث الأمم تتطور وتنهض عبر المعرفة والاقتصاد والتكنولوجيا، بينما نجد أنفسنا غارقين في صراعات لا تنتهي تحركها الأيديولوجيات، وتغذيها مصالح القوى المتحكمة، ويُرفع فيها اسم الله زوراً وكأن السماء قد أوكلت لنا مهمة القتل والتدمير.
وإذا ما سألنا أنفسنا من هو العدو الحقيقي؟
هل هو المختلف عنا في المذهب؟ في القومية؟ في الفكر؟ أم أن هناك أعداء آخرين لا ننتبه إليهم؟
حين نفتح عيوننا على الواقع سنجد أن العدو ليس ذلك الذي يختلف معنا في المعتقد، بل هو الجهل الذي يحولنا إلى أدوات صماء في يد من يتلاعب بمصيرنا.
العدو هو الخوف الذي يجعلنا نرفض الحوار ونفضل العنف.
العدو هو الفقر الذي يحوّل الفتيان إلى جنود في حروب لا تعنيهم، والجهل الذي يبرر للقاتل فعلته وكأنها قربان إلى السماء.
نحن نحارب بعضنا البعض، بينما العالم يرانا مجرّد حطب في محرقة لا نملك إشعالها ولا إطفاءها.
في نظريات السياسة العالمية، لطالما قيل : “لا تحتاج إلى جيوش لتهزم أمة، فقط دعها تنقسم وتحارب نفسها”. وهذا هو الواقع اليوم إذ يتم تغذية الصراعات الداخلية بين أبناء الدين الواحد والقومية الواحدة بل والمدينة الواحدة ليصبح الدم هو لغة الحوار الوحيدة.
من المستفيد؟
ليس علينا أن نبحث بعيدًا، فالمستفيدون كُثر، من الخارج والداخل. هناك دول ترى في ضعفنا ضماناً لقوتها وأنظمة ترى في استمرار العنف فرصة لإطالة عمرها، وهناك طبقة من المنتفعين سواء كانوا تجار سلاح أو ساسة أو حتى رجال دين ممن يجدون في استمرار النزاع مصدر قوة وسلطة.
لكن المأساة الأكبر أن الشعوب هي التي تدفع الثمن “يموت الأبرياء” وتُهدم المدن وتُضيع الأجيال مستقبلها في معارك لا يعرفون سببها ولا مستفيدها الحقيقي.
متى ندرك معركتنا الحقيقية؟
حين نكفّ عن القتال في معارك وهمية ونلتفت إلى المعركة التي تستحق أن نخوضها: معركة الوعي والتعليم والتنمية.
حين ندرك أن أقوى سلاح نملكه ليس الرصاصة بل الكلمة، وليس الخنجر بل القلم.
حين نعرف أن معركتنا ليست مع بعضنا بل مع الجهل والتطرف والتخلف والاستبداد.
حينها فقط سنبدأ بكتابة مستقبل جديد، مستقبل لا يُرفع فيه اسم الله إلا في مواضع الرحمة ولا تُرفع فيه السيوف إلا دفاعاً عن الحياة لا من أجل تدميرها.