منطقُ الرُشد في زمن الضجيج

2025/06/14

منتصر صباح آل شمخي الحسناوي

بالأمس القريب ، هاجمت كثيرٌ من المنصات السياسية والإعلامية حكومة السوداني لتواصلها مع الحكومة السورية الجديدة، عادّين ذلك تشجيعاً على ضررٍ يلحقُ بالشيعة والعلويين في سوريا.

ولأنّ ليس كلّ ما يحدث في السياسة يجب أن يُطرح في الإعلام بشكلٍ مباشر، فقد كانت الحكومة العراقية تسعى من خلال هذا التواصل إلى حماية مصالحها وايضاً المكوّنات، من دون التدخّل في الشأن الداخلي، التزاماً بمبدأ الاحترام المتبادل الذي نريدهُ لبلدنا وكذلك للبلدان من حولنا.

بالنتيجة، وبعد أشهر من التغيير، استقبل رئيسُ مجلس الوزراء، السيّد محمد شياع السوداني، وفد الهيأة العلمائية الإسلامية الشيعية في سوريا، في الحادي عشر من حزيران ٢٠٢٥، برئاسة الشيخ أدهم الخطيب.

شَهد اللقاءُ استعراضاً لتطوّرات الأوضاع في سوريا، والتأكيد على دعم الجهود الساعية إلى نشر ثقافة المصالحة والتعايش السلمي، بما يعزّز الاستقرار والسِّلم الاجتماعي، ويُمهّد لتجاوز آثار الأزمة الممتدة لأكثر من عقد زمني.

وقد أكدَّ ّ رئيس مجلس الوزراء خلال اللقاء أهمية استقرار سوريا، وما يمثّله ذلك من عمقٍ حيويّ للأمن الوطني العراقي مشيراً إلى ضرورة مشاركة جميع فئاتِ الشعب السوري في التأسيس لدولةٍ تقومُ على مبدأ المواطنة وتحفظ وحدةِ الأراضي والسيادة وتُدين أيّ مساسٍ بها مهما كان مصدره أو عنوانه.

إنّ هذا اللقاء وما سبقه من إشارات يُقرأ ضمن سياسة عراقية بدأت تتبلور على نحوٍ مختلف، إذ تعتمد لغة هادئة ومتوازنة تُراعي المصلحة الوطنية العليا ولا تتورّط في النزاعات العابرة للحدود.

السياسة لا تُبنى على العواطف العابرة ولا على استرضاء هذه الجهة أو تلك بقدر الفهم الدقيقٍ لمعادلات المنطقة وتأثيراتها على الواقع العراقي، ديموغرافياً وأمنياً واقتصادياً.

التواصل مع الجهات الدينية والفكرية داخل سوريا هو سعيٌ لتثبيت ثقافة الحوار بين المكوّنات دون انحياز وخلقِ بيئةٍ تواصل، تحفظُ التنوّع ولا تفرّط به، وهو امتداد لدورٍ إقليميٍّ يُراد للعراق أن يعود إليه بعد سنواتٍ من الانكماش والاضطراب.

لقد كان الوفدُ السوري واضحاً في شكرهِ للحكومة العراقية وإشادته بجهودها في دعم التهدئة داخل سوريا وفتح قنوات الحوار مع الأطراف المختلفة دون فرضِ وصايةٍ أو فرضِ مواقف جاهزة.

إنّ مثل هذا اللقاء يعبرُّ عن تبدّلٍ في منطق الدولة العراقية الحديثة إذ لم تعدْ بغداد تنتظر المواقف من الخارج، إنما تسعى إلى صياغتها انطلاقاً من إدراكها لوضعها الداخلي وموقعها المحوريّ في محيط ٍ مضطرب.

فالعراق الذي كان لفترة طويلة حلبةٌ لصراعاتِ الغير يسعى اليوم بهدوءٍ محسوب إلى أن يكون صوتاً داعماً للسلام وحاملاً لمبادرة الرُشد في زمنٍ تتنازع فيه الشعوب بين الألم والضياع.

https://al-aalem.com/opinion/منطقُ-الرُشد-في-زمن-الضجيج/