من أقدم: دجلة أم الفرات؟
2025/06/12
منتصر صباح آل شمخي الحسناوي
من الأقدم: دجلة أم الفرات؟
سردٌ في علم الجيولوجية وأساطير الأنهار
منتصر صباح الحسناوي
قرأت في أحد المقالات أن نهر دجلة هو أقدم من نهر الفرات وأعرق من نهرَي النيل والأمازون، وهذه الانهار بمجملها أقدم أنهار العالم.
يبدأ الكاتب بالشرح والتحليل، مستنداً إلى تقديرات علمية تزعم أن عمر دجلة يبلغ نحو 13 مليون عام في مقابل 10 آلاف فقط للفرات كما يدّعي.
المنشور لاقى انتشاراً واسعاً وتلقّاه البعض كحقيقة نهائية، بعضهم ناقشه وأيّده، وآخرون اكتفوا بمشاركته على أنه “معلومة”.
غير أن الواقع – كعادة العلم – يحتاج إلى قليل من التروّي وكثير من التدقيق.
العقل البشري الذي استحدث وسائله المتقدمة لم تعد تفوته مثل هذه المزاعم، إذ تكاد “الحقائق” المتداولة أحياناً تفقد علاقتها بالحقيقة ذاتها، وما دام بإمكاننا الوصول إلى المعلومة كما كانت الجن تفعل مع الملوك فلا بأس أن نبدأ من الجيولوجيا وننتهي إلى الرمزية.
فأقدم الأنهار في العالم عندما نتكلم عن الأرض وفق علم الجيولوجية لا يعتمد على الرواية الشفهية أو الحضارية وانما على الرسوبيات وتاريخ الطبقات الصخرية ومسارات الأنهار داخل الجبال، ووفقاً لهذه المعايير تَبيَّن أن أقدم الأنهار المعروفة على سطح الأرض ليست دجلة ولا الفرات ولا النيل وانما أنهارٌ أخرى سابقة بعشرات الملايين من السنين، منها:
• نهر فاينك (Finke) – أستراليا: يقدَّر عمره بـ 350 إلى 400 مليون سنة، وهو مرشح ليكون الأقدم على سطح الأرض.
• نهر نيو (New River) – الولايات المتحدة: يُحتمل أن يعود إلى 360 مليون سنة.
• نهر سسكويهانا (Susquehanna) – أميركا: يتجاوز 325 مليون سنة.
• نهر الراين (Rhine) – أوروبا: يمتد عمره إلى نحو 240 مليون سنة.
كلها أنهار يعود تاريخها إلى عصور جيولوجية سابقة لتشكل الكثير من الجبال التي تخترقها اليوم هذا يعني أنها ظلت في مجاريها قبل أن تنشأ التضاريس من حولها، وهو معيار دقيق لعمر النهر.
الفرات، عراقة في قلب الشرق
في الشرق الأوسط، فإن نهر الفرات يتصدّر المشهد من حيث القدم الجيولوجي، إذ أشارت دراسات متعددة إلى أن الفرات يعود إلى أكثر من 20 مليون سنة، إذ تكوّنت رواسبه خلال حقبة الميوسين. ويُعتقد أن النهر حافظ على مساره الرئيسي بدرجة كبيرة رغم التغيرات في نهاياته مع الظروف الجيولوجية المحيطة، ما يجعله أقدم نهر مستقر في المنطقة.
أما نهر دجلة، فعمره يُقدّر بنحو 13 مليون سنة، وهو شقيق الفرات من حيث الجغرافية والرمزية الحضارية، لكنه أحدث منه من منظور الجيولوجية. أما نهر النيل، فيعود إلى نحو 6 ملايين سنة في هيئته الحالية، رغم أن بعض مكوناته الجيولوجية تعود إلى 30 مليون سنة، مع تغييرات كبيرة في المسار عبر الزمن.
أما الأمازون، فليس أقدم منها جميعاً إذ يقدَّر عمره بنحو 11–12 مليون سنة.
رمزية الفرات
نهر الفرات تجاوز مساره المائي الى كونه كتاب مفتوح من رموز الدين والسياسة والتاريخ، من مجراه خرجت أولى مدن العالم ومن ضفافه انبثقت الأساطير الأولى عن الطوفان والخلق والزراعة والدمار. وقد ورد ذكره في النصوص المقدسة، وكان دائماً حداً فاصلاً بين وعود السماء وصراعات الأرض.
في الوجدان العراقي، هو شريان حياة، ورمزاً للخصوبة والبقاء، وكثيراً ما اقترنت اسمه بعبارة: “أرض اللبن والعسل”.
وبالعودة للعلم نريد ان ننقح المعلومة لترسخ في مستقراتها من الوعي المجتمعي لتكون اساساً يمكن البناء عليه بامان دون ان يقع باول نسمة من رياح التقدم .
https://al-aalem.com/opinion/دجلة-أقدم-أم-الفرات؟-سرد-في-علم-الجيول/